سورة الزمر - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزمر)


        


{تَنزِيلُ الكتاب} خبر محذوف مثل هذا أو مبتدأ خبره. {مِنَ الله العزيز الحكيم} وهو على الأول صلة ل {تَنزِيلَ}، أو خبر ثان أو حال عمل فيها الإِشارة أو ال {تَنزِيلَ}، والظاهر أن {الكتاب} على الأول السورة وعلى الثاني القرآن، وقرئ: {تَنزِيلَ} بالنصب على إضمار فعل نحو اقرأ أو الزم.
{إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق} ملتبساً بالحق أو بسبب إثبات الحق وإظهاره وتفصيله. {فاعبد الله مُخْلِصاً لَّهُ الدين} ممحصاً له الدين من الشرك والرياء، وقرئ برفع {الدين} عن الاستئناف لتعليل الأمر وتقديم الخبر لتأكيد الاختصاص المستفاد من اللام كما صرح به مؤكداً وإجراؤه مجرى المعلوم المقرر لكثرة حججه وظهور براهينه فقال: {أَلاَ لِلَّهِ الدين الخالص} أي ألا هو الذي وجب اختصاصه بأن يخلص له الطاعة، فإنه المتفرد بصفات الألوهية والاطلاع على الأسرار والضمائر. {والذين اتخذوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء} يحتمل المتخذين من الكفرة والمتخذين من الملائكة وعيسى والأصنام على حذف الراجع وإضمار المشركين من غير ذكر لدلالة المساق عليهم، وهو مبتدأ خبره على الأول. {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى} بإضمار القول. {إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} وهو متعين على الثاني، وعلى هذا يكون القول المضمر بما في حيزه حالاً أو بدلاً من الصلة و{زلفى} مصدر أو حال، وقرئ: {قالوا ما نعبدهم} و{ما نعبدكم إلا لتقربونا إلى الله} حكاية لما خاطبوا به آلهتهم و{نَعْبُدُهُمْ} بضم النون اتباعاً. {فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} من الدين بإدخال المحق الجنة والمبطل النار والضمير للكفرة ومقابليهم، وقيل لهم ولمعبوديهم فإنهم يرجون شفاعتهم وهم يلعنونها. {إِنَّ الله لاَ يَهْدِى} لا يوفق للاهتداء إلى الحق. {مَنْ هُوَ كاذب كَفَّارٌ} فإنهما فاقدا البصيرة.
{لَّوْ أَرَادَ الله أَن يَتَّخِذَ وَلَداً} كما زعموا. {لاصطفى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاء} إذ لا موجود سواه إلا هو مخلوقه لقيام الدلالة على امتناع وجود واجبين ووجوب استناد ما عدا الواجب إليه، ومن البين أن المخلوق لا يماثل الخالق فيقوم مقام الوالد له ثم قرر ذلك بقوله: {سبحانه هُوَ الله الواحد القهار} فإن الألوهية الحقيقية تتبع الوجوب المستلزم للواحدة الذاتية، وهي تنافي المماثلة فضلاً عن التوالد لأن كل واحد من المثلين مركب من الحقيقة المشتركة، والتعين المخصوص والقهارية المطلقة تنافي قبول الزوال المحوج إلى الولد، ثم استدل على ذلك بقوله: {خَلَقَ السموات والأرض بالحق يُكَوّرُ اليل عَلَى النهار وَيُكَوّرُ النهار عَلَى اليل} يغشى كل واحد منهما الآخر كأنه يلفه عليه لف اللباس باللابس، أو يغيبه به كما يغيب الملفوف باللفافة، أو يجعله كاراً عليه كروراً متتابعاً تتابع أكوار العمامة.
{وَسَخَّرَ الشمس والقمر كُلٌّ يَجْرِى لأَجَلٍ مُّسَمًّى} هو منتهى دوره أو منقطع حركته. {إِلاَّ هُوَ العزيز} القادر على كل ممكن الغالب على كل شيء. {الغفار} حيث لم يعاجل بالعقوبة وسلب ما في هذه الصنائع من الرحمة وعموم المنفعة.
{خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحدة ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} استدلال آخر بما أوجده في العالم السفلي مبدوء به من خلق الإِنسان لأنه أقرب وأكثر دلالة وأعجب، وفيه على ما ذكره ثلاث دلالات: خلق آدم أولاً من غير أب وأم، ثم خلق حواء من قصيراه، ثم تشعيب الخلق الفائت للحصر منهما. و{ثُمَّ} للعطف على محذوف هو صفة {نَفْسٌ} مثل خلقها أو على معنى واحدة أي من نفس وحدت ثم جعل منها زوجها فشفعها بها، أو على {خَلَقَكُمْ} لتفاوت ما بين الآيتين، فإن الأولى عادة مستمرة دون الثانية. وقيل أخرج من ظهره ذريته كالذر ثم خلق منها حواء. {وَأَنزَلَ لَكُمْ} وقضى أو قسم لكم، فإن قضاياه وقسمه توصف بالنزول من السماء حيث كتبت في اللوح المحفوظ، أو أحدث لكم بأسباب نازلة كأشعة الكواكب والأمطار. {مّنَ الأنعام ثمانية أزواج} ذكر وأنثى من الإِبل والبقر والضأن والمعز. {يَخْلُقُكُمْ فِى بُطُونِ أمهاتكم} بيان لكيفية خلق ما ذكر من الأناسي والأنعام إظهاراً لما فيها من عجائب القدرة، غير أنه غلب أولي العقل أو خصهم بالخطاب لأنهم المقصودون. {خَلْقاً مّن بَعْدِ خَلْقٍ} حيواناً سوياً من بعد عظام مكسوة لحماً من بعد عظام عارية من بعد مضغ من بعد علق من بعد نطف. {فِى ظلمات ثلاث} ظلمة البطن والرحم والمشيمة، أو الصلب والرحم والبطن. {ذلكم} الذي هذه أفعاله. {الله رَبُّكُمُ} هو المستحق لعبادتكم والمالك. {لَهُ الملك لا إله إِلاَّ هُوَ} إذ لا يشاركه في الخلق غيره. {فأنى تُصْرَفُونَ} يعدل بكم عن عبادته إلى الإشراك.
{إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنكُمْ} عن إِيمانكم. {وَلاَ يرضى لِعِبَادِهِ الكفر} لاستضرارهم به رحمة عليهم. {وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ} لأنه سبب فلا حكم، وقرأ ابن كثير ونافع في رواية وأبو عمرو والكسائي بإشباع ضمة الهاء لأنها صارت بحذف الألف موصولة بمتحرك، وعن أبي عمرو ويعقوب إسكانها وهو لغة فيها. {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ثُمَّ إلى رَبّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} بالمحاسبة والمجازاة. {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} فلا تخفى عليه خافية من أعمالكم.
{وَإِذَا مَسَّ الإنسان ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ} لزوال ما ينازع العقل في الدلالة على أن مبدأ الكل منه.
{ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ} أعطاه من الخول وهو التعهد، أو الخول وهو الافتخار. {نِعْمَةً مّنْهُ} من الله. {نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ} أي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه، أو ربه الذي كان يتضرع إليه و{مَا}؛ مثل الذي في قوله: {وَمَا خَلَقَ الذكر والأنثى} {مِن قَبْلُ} من قبل النعمة. {وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ} وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ورويس بفتح الياء، والضلال والإِضلال لما كانا نتيجة جعله صح تعليله بهما وإن لم يكونا غرضين. {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً} أمر تهديد فيه إشعار بأن الكفر نوع تشه لا سند له، وإقناط للكافرين من التمتع في الآخرة ولذلك علله بقوله: {إِنَّكَ مِنْ أصحاب النار} على سبيل الاستئناف للمبالغة.


{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ} قائم بوظائف الطاعات. {أَنَاءَ اللَّيْلِ} ساعاته وأم متصلة بمحذوف تقديره الكافر خير {أم من هو قانت}، أو منقطعة والمعنى بل {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ} كمن هو بضده، وقرأ الحجازيان وحمزة بتخفيف الميم بمعنى أمن هو قانت لله كمن جعل له أنداداً. {ساجدا وَقَائِماً} حالان من ضمير {قَانِتٌ}، وقرئا بالرفع على الخبر بعد الخبر والواو للجمع بين الصفتين {يَحْذَرُ الآخرة وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبّهِ} في موضع الحال أو الاستئناف للتعليل. {قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ} نفى لاستواء الفريقين باعتبار القوة العلمية بعد نفيه باعتبار القوة العملية على وجه أبلغ لمزيد فضل العلم. وقيل تقرير للأول على سبيل التشبيه أي كما لا يستوي العالمون والجاهلون لا يستوي القانتون والعاصون. {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الألباب} بأمثال هذه البيانات، وقرئ: {يذكر} بالإِدغام.
{قُلْ يا عِبَادِي الذين ءَامَنُواْ اتقوا رَبَّكُمْ} بلزوم طاعته. {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِى هذه الدنيا حَسَنَةٌ} أي للذين أحسنوا بالطاعات في الدنيا مثوبة حسنة في الآخرة. وقيل معناه للذين أحسنوا حسنة في الدنيا هي الصحة والعافية، وفي هذه بيان لمكان {حَسَنَةٌ}. {وَأَرْضُ الله وَاسِعَةٌ} فمن تعسر عليه التوفر على الإِحسان في وطنه فليهاجر إلى حيث يتمكن منه. {إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون} على مشاق الطاعات من احتمال البلاء ومهاجرة الأوطان لها. {أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} أجراً لا يهتدي إليه حساب الحساب، وفي الحديث إنه: «ينصب الموازين يوم القيامة لأهل الصلاة والصدقة والحج فيوفون بها أجورهم، ولا ينصب لأهل البلاء بل يصب عليهم الأجر صباً حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل» {قُلْ إِنّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله مُخْلِصاً لَّهُ الدين} موحداً له.
{وَأُمِرْتُ لأِنْ أَكُونَ أَوَّلَ المسلمين} وأمرت بذلك لأجل أن أكون مقدمهم في الدنيا والآخرة، لأن قصب السبق في الدين بالإِخلاص أو لأنه أول من أسلم وجهه لله من قريش ومن دان بدينهم، والعطف لمغايرة الثاني الأول بتقييده بالعلة، والإشعار بأن العبادة المقرونة بالإِخلاص وإن اقتضت لذاتها أن يؤمر بها فهي أيضاً تقتضيه لما يلزمها من السبق في الدين، ويجوز أن تجعل اللام مزيدة كما في أردت لأن أفعل فيكون أمر بالتقدم في الإِخلاص والبدء بنفسه في الدعاء إليه بعد الأمر به.
{قُلْ إِنّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّى} بترك الإخلاص والميل إلى ما أنتم عليه من الشرك والرياء. {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} لعظمة ما فيه.
{قُلِ الله أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِى} أمر بالإِخبار عن إخلاصه وأن يكون مخلصاً له دينه بعد الأمر بالإِخبار عن كونه مأموراً بالعبادة والإِخلاص خائفاً عن المخالفة من العقاب قطعاً لأطماعهم، ولذلك رتب عليه قوله: {فاعبدوا مَا شِئْتُمْ مّن دُونِهِ} تهديداً وخذلاناً لهم.
{قُلْ إِنَّ الخاسرين} الكاملين في الخسران. {الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُم} بالضلال. {وَأَهْلِيهِمْ} بالإِضلال. {يَوْمَ القيامة} حين يدخلون النار بدل الجنة لأنهم جمعوا وجوه الخسران. وقيل وخسروا أهليهم لأنهم إن كانوا من أهل النار فقد خسروهم كما خسروا أنفسهم، وإن كانوا من أهل الجنة فقد ذهبوا عنهم ذهاباً لا رجوع بعده. {أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الخسران المبين} مبالغة في خسرانهم لما فيه من الاستئناف والتصدير ب {أَلاَ}، وتوسيط الفصل وتعريف الخسران ووصفه ب {المبين}.
{لَهُمْ مّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مّنَ النار} شرح لخسرانهم. {وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} أطباق من النار هي ظلل للآخرين. {ذلك يُخَوّفُ الله بِهِ عِبَادَهُ} ذلك العذاب هو الذي يخوفهم به ليتجنبوا ما يوقعهم فيه. {يَا عِبَادِ فاتقون} ولا تتعرضوا لما يوجب سخطي.
{والذين اجتنبوا الطاغوت} البالغ غاية الطغيان فعلوت منه بتقديم اللام على العين بني للمبالغة في المصدر كالرحموت، ثم وصف به للمبالغة في النعت ولذلك اختص بالشيطان. {أَن يَعْبُدُوهَا} بدل اشتمال منه. {وَأَنَابُواْ إِلَى الله} وأقبلوا إليه بشراشرهم عما سواه. {لَهُمُ البشرى} بالثواب على ألسنة الرسل، أو الملائكة عند حضور الموت. {فَبَشّرْ عِبَادِ}.
{الذين يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} وضع فيه الظاهر موضع ضمير {الذين اجتنبوا} للدلالة على مبدأ اجتنابهم وأنهم نقاد في الدين يميزون بين الحق والباطل ويؤثرون الأفضل فالأفضل. {أُوْلَئِكَ الذين هَدَاهُمُ الله} لدينه. {وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُواْ الألباب} العقول السليمة عن منازعة الوهم والعادة، وفي ذلك دلالة على أن الهداية تحصل بفعل الله وقبول النفس لها.


{أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العذاب أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِى النار} جملة شرطية معطوفة على محذوف دل عليه الكلام تقديره أأنت مالك أمرهم فمن حق عليه العذاب فأنت تنقذه، فكررت الهمزة في الجزاء لتأكيد الإِنكار والاستبعاد، ووضع {مَن فِى النار} موضع الضمير لذلك وللدلالة على أن من حكم عليه بالعذاب كالواقع فيه لامتناع الخلف فيه، وأن اجتهاد الرسل في دعائهم إلى الإيمان سعي في إنقاذهم من النار، ويجوز أن يكون {أَفَأَنتَ} تنقذ جملة مستأنفة للدلالة على ذلك والإِشعار بالجزاء المحذوف.
{لَكِنِ الذين اتقوا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مّن فَوْقِهَا غُرَفٌ} علالي بعضها فوق بعض. {مَّبْنِيَّةٌ} بنيت بناء النازل على الأرض. {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار} أي من تحت تلك الغرف. {وَعَدَ الله} مصدر مؤكد لأن قوله: {لَهُمْ غُرَفٌ} في معنى الوعد. {لاَ يُخْلِفُ الله الميعاد} ولأن الخلف نقص وهو على الله محال.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السماء مَاءً} هو المطر. {فَسَلَكَهُ} فأدخله. {يَنَابِيعَ فِى الأرض} هي عيون ومجاري كائنة فيها، أو مياه نابعات فيها إذ الينبوع جاء للمنبع وللنابع فنصبها على الظرف أو الحال. {ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ} أصنافه من بر وشعير وغيرهما، أو كيفياته من خضرة وحمرة وغيرهما. {ثُمَّ يَهِيجُ} يتم جفافه لأنه إذا تم جفافه حان له أن يثور عن منبته. {فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً} من يبسه. {ثُمَّ يَجْعَلُهُ حطاما} فتاتاً. {إِنَّ فِى ذَلِكَ لذكرى} لتذاكيراً بأنه لا بد من صانع حكيم دبره وسواه، أو بأنه مثل الحياة الدنيا فلا تغتر بها. {لأُوْلِى الألباب} إِذْ لاَ يَتَذكر به غيرهم.
{أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ للإسلام} حتى تمكن فيه بيسر عبر به عمن خلق نفسه شديدة الاستعداد لقبوله غير متأبية عنه من حيث أن الصدر محل القلب المنبع للروح المتعلق للنفس القابلة للإِسلام. {فَهُوَ على نُورٍ مّن رَّبّهِ} يعني المعرفة والاهتداء إلى الحق. وعنه عليه الصلاة والسلام: «إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح، فقيل فما علامة ذلك قال: الإِنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والتأهب للموت قبل نزوله» وخبر {مِنْ} محذوف دل عليه {فَوَيْلٌ للقاسية قُلُوبُهُمْ مّن ذِكْرِ الله} من أجل ذكره وهو أبلغ من أن يكون عن مكان من، لأن القاسي من أجل الشيء أشد تأبياً عن قبوله من القاسي عنه لسبب آخر، وللمبالغة في وصف أولئك بالقبول وهؤلاء بامتناع ذكر شرح الصدر وأسنده إلى الله وقابله بقساوة القلب وأسنده إليه. {أُوْلَئِكَ فِى ضلال مُّبِينٍ} يظهر للناظر بأدنى نظر، والآية نزلت في حمزة وعلي وأبي لهب وولده.
{الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث} يعني القرآن، روي أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملوا ملة فقالوا له حدثنا فنزلت. وفي الابتداء باسم الله وبناء نزل عليه تأكيد للإسناد إليه وتفخيم للمنزل واستشهاد على حسنه. {كتابا متشابها} بدل من {أَحْسَنُ} أو حال منه، وتشابهه تشابه أبعاضه في الإِعجاز وتجاوب النظم وصحة المعنى والدلالة على المنافع العامة. {مَّثَانِيَ} جمع مثنى أو مثنى أو مثن على ما مر في (الحجر)، وصف به كتاباً باعتبار تفاصيله كقولك: القرآن سور وآيات، والإِنسان: عظام وعروق وأعصاب، أو جعل تمييزاً من {متشابها} كقولك: رأيت رجلاً حسناً شمائله. {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} تشمئز خوفاً مما فيه من الوعيد، وهو مثل في شدة الخوف واقشعرار الجلد تقبضه وتركيبه من حروف القشع وهو الأديم اليابس بزيادة الراء ليصير رباعياً كتركيب أقمطر من القمط وهو الشد. {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ الله} بالرحمة وعموم المغفرة، والإِطلاق للإشعار بأن أصل أمره الرحمة وأن رحمته سبقت غضبه، والتعدية ب {إلى} لتضمين معنى السكون والاطمئنان، وذكر القلوب لتقدم الخشية التي هي من عوارضها. {ذلك} أي الكتاب أو الكائن من الخشية والرجاء. {هُدَى الله يَهْدِى بِهِ مَن يَشَاء} هدايته. {وَمَن يُضْلِلِ الله} ومن يخذله. {فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} يخرجهم من الضلال.

1 | 2 | 3 | 4